Saturday, December 1, 2018

أفضل 100 رواية عربيّة؟


أعادت لائحة مجلّة بانيپال لأفضل 100 رواية عربيّة تذكيرنا باللائحة القديمة التي أعدّها اتّحاد الكتّاب العرب (ضمّت 105 روايات فعليًا). والأهم أنّها أعادت السّجال الذي ينبغي التحدّث فيه وعنه بصراحة. ما معايير الاختيار، وكيف نُعرّف معنى «الأفضل»؟ وهنا يمكننا القول بشيءٍ من التّعميم إنّ اللائحتين تشبهان المؤسّستين اللتين أعدّتهما، بمعنى أنّ لائحة اتّحاد الكتّاب تشبه طبيعة المؤسّسة «العروبيّة» وتوجّهاتها بحيث شملت الخيارات الدول العربيّة كلّها مع اشتراط أن تكون حصّة كلّ كاتب رواية واحدة فقط، أما لائحة بانيپال فتشبه توجّهات المجلة من حيث اهتمامها بقارئها الغربيّ أكثر من انشغالها بجمهور عربيّ، ولذا طغت على الخيارات روايات الجوائز، على الأخص جائزة «بوكر العربيّة» (لا ينبغي أن ننسى هنا إصرار تلك الجائزة على صفتها «العالميّة») كما أنّها سمحت بوجود أكثر من رواية لكاتب واحد، فزادت بهذا حدّة الإشكاليّة. ولكنّ هذه الاختلافات ليست هي القضيّة الأهم، إذ يمكن لأيّ قارئ إعداد لائحته الخاصة التي تناسب ذائقته ولا تتوافق مع ذائقة غيره بالضرورة. هل يكفي استبدال رواية برواية كي نحل المشكلة؟
لنتناول الموضوع من زاوية أخرى، ولنكتف بالعنوان العريض فقط: «أفضل 100 رواية عربيّة». ولنحاول اكتشاف ما تعنيه هذه الكلمات القليلة، لعلّنا نصل إلى مغزى اختيار هذه الروايات دون غيرها. ما معنى «الأفضل» هنا؟ هل تعني الأجمل أم الأشهر أم شيئًا آخر تمامًا تفرضه الظروف السياسيّة والاجتماعيّة وما تحمله من نظريّات نقديّة متضاربة كأن نشترط وجود كوتا للشباب أو النّساء؟ هل الأجمل تعني الأشهر بالضرورة، وفي الوقت ذاته هل الأجمل تعني الأفضل؟ لماذا إصرار النقّاد على «الثلاثيّة» كرواية محفوظيّة حاضرة دائمًا وليس «الحرافيش» مثلًا؟ هل الثلاثيّة أفضل منها حقًا أو أفضل من «أولاد حارتنا» أو أفضل حتّى من «القاهرة الجديدة» أو «اللص والكلاب» أو «حديث الصباح والمساء»؟ هل تكفي شهرتها وحدها كي نختصر تجربة محفوظ بها؟ وبالمثل هل «مدن الملح» هي أفضل روايات منيف؟ ماذا عن «أرض السواد» التي تفوقها إتقانًا بدرجات، ماذا عن «النهايات» التي لا يتذكّرها أحد؟ هل هذا هو الواقع فعلًا أم هو الاستسهال فقط؟ هات رواية لمحفوظ: الثلاثيّة. هات رواية لغسّان كنفاني: رجال في الشمس. هات رواية لربيع جابر: دروز بلغراد! وهل هذه الروايات بدورها أفضل من الروايات التي جاءت قبلها أو بعدها؟ هل «دروز بلغراد» أفضل من «عودة الروح»؟ أحاول تطبيق النظريّات النقديّة كلّها وأعجز عن فهم الأفضليّة هنا. وبالمقابل، هل جبّور الدويهي أفضل من منيف كي يحظى بروايتين؟ هل سعود السنعوسي أفضل من فارس الشّدياق كي يحتلّ مكانًا ليس له؟ هل هو أفضل من إسماعيل فهد إسماعيل؟ هل روايات خالد خليفة أفضل من روايات فواز حدّاد؟ هذه الأسئلة كلّها مشروعة كي نحاول فهم معنى «الأفضل». طيب، ماذا لو كانت 5 أو 6 روايات لكاتب واحد أفضل من روايات 6 كتّاب؟ هل نظلم الأول كي «نطبطب» للآخرين؟ ماذا لو كانت الروايات الأفضل مغاربيّة حصرًا، هل ينبغي أن نضيف الروايات المشرقيّة من أجل «التوازن»؟
هل الأفضل تعني الأهم؟ هل تكفي الجرأة أو أهميّة الطرح كي تؤهّل «رواية» ما للمقارنة مع روايات أخرى أجمل بكثير ولكنّها لا توافق هوانا السياسيّ أو بوصلتنا الأخلاقيّة أو قضايانا الكبرى التي عجزنا عن حلّها في الواقع فقرّرنا شنّ الحرب عبر تدمير الفن؟ هل تكفي جرأة «الخبز الحافي» لإدخالها في الروايات العظيمة؟ هل هي رواية حقًا أم سيرة؟ هل يكفي «صدق» روايات الربيع العربيّ كي تدخل إلى الفن؟ هل تكفي البيوت المهدَّمة والبيانات السياسيّة المُغلَّفة بقشرة حدّوتة ما كي أقبل بها كأعمال فنيّة؟
لنوسّع السؤال قليلًا: هل الأفضل هو وفقًا لمعايير الرواية العربيّة حصرًا أم المعايير كلّها بلا تقييدات؟ وهنا، نأتي إلى الكلمة الثانية من العنوان: «100»، ولنسأل بصراحة: هل هناك 100 رواية عربيّة تستحق صفة «عظيمة» التي يمكن لنا ببساطة إطلاقها على روايات يابانيّة وأميركيّة ومكسيكيّة وأفريقيّة؟ هل تصمد أعظم رواية عربيّة أمام أبسط مقارنة مع روايات الآخرين، أيًا كانوا، شرقيّين أم غربيّين؟ حداثيّين أم كلاسيكيّين؟ أحاول شخصيًّا أن أتذكّر الروايات العربيّة التي تستحق إفراد مكانة مهمّة لها فأعجز عن تجاوز رقم 30 في أفضل الأحوال. هل هي مشكلتي وحدي؟ هل تكفي تبريراتنا المكرورة عن قصر التجربة الروائيّة العربيّة؟ طيب ماذا عن الرواية الأميركيّة التي لا تسبقنا إلا بعدة عقود فقط؟ ماذا عن الرواية الأفريقيّة التي ولدت بعد الرواية العربيّة بكثير؟ نعود إلى السؤال الأزليّ دومًا: لمَ تقدَّم غيرنا وأخفقنا نحن؟ ولكنّ هذا السؤال يحتاج إلى مقال منفصل يتناول معنى «الرواية العربيّة».

Share:

0 comments:

Post a Comment