Thursday, October 25, 2018

تحقيق المقامة الأولى (البصريّة) - مقامات الهمذانيّ

النص أدناه، هو النص المُحقَّق للمقامة ولكن من دون تفصيلات قد لا يحتاجها القارئ العاديّ الذي يهمّه نص المقامة فقط. أما بالنّسبة إلى من يريد تفصيلات النص المحقَّق كلّها من فروق بين المخطوطات، وحواشٍ تفسيريّة، فسيجد نسخة للتّحميل على هذا الرابط
Share:

Wednesday, October 24, 2018

مقدمة كتاب پيري أندرسن «اقتفاء خطى الماديّة التاريخيّة»


مقدّمة النّاقد الأميركيّ فرانك لنتريتشيا (Frank Lentricchia) لكتاب اقتفاء خطى الماديّة التاريخيّة للمؤرّخ البريطانيّ پيري أندرسن.


يصدر الكتاب قريبًا عن منشورات المتوسّط (إيطاليا).


     فرانك لنتريتشيا

كمؤرّخٍ وسوسيولوجيّ تاريخيّ، ومحرّر لمجلة نيو لِفْت ريڤيو، ومؤرّخ للنظريّة الماركسيّة الحديثة، وحاليًا كمنظّرٍ منتجٍ  - في الانتقالات من العصور القديمة إلى الإقطاع (1974)، أصول الدولة الاستبداديّة (1974)، تأمّلاتٌ في الماركسيّة الغربيّة (1976)، وسجالات داخل الماركسيّة الإنگليزيّة (1980)، إن ذكرنا العناوين البارزة أصبح پيري أندرسن خلال الخمس عشرة سنةً الماضية واحدًا من حفنةٍ من ماركسيّينا المعاصرين المرموقين. وفي كتابه المَعْلَم تأمّلاتٌ في الماركسيّة الغربيّة، وهو تأريخٌ فكريٌّ للنظريّة الماركسيّة في أوروپا الغربيّة منذ قرابة العام 1920 حتى عام 1968 أو تقريبًا بعد عزلة الثورة الروسيّة أنتجَ أندرسن ما يُعتبَر على نطاقٍ واسعٍ دليلنا الثّاقب، وتأويلنا للماركسيّة الحديثة. وقد انصبَّ تركيزه بشدّة في كتابه تأمّلات، أو حصريًا بالأحرى، على عمل لوكاتش، وكورش، وگرامشي، وأدورنو، وماركوزه، وبنيامين، وسارتر، وألتوسير، وديلا ڤولپه، وكولّيتّي. أما في هذا الكتاب الجديد، اقتفاء خطى الماديّة التاريخيّة الذي أُلقي معظمه في السلسلة السنويّة الثانية لمحاضرات مكتبة ويلِكْ في إرڤاين [في كاليفورنيا] في أيار/مايو 1982 يُنكر أندرسن لأسبابٍ موجبةٍ عديدةٍ بأنّه ألّف جزءًا ثانيًا من لكتابه تأمّلات. فالفترة التي يتناولها أقصر بكثير؛ وأسلوبه هنا (لكونه خطابًا عموميًا) يميل إلى قدرٍ طفيفٍ من عدم الرسميّة؛ في الكتاب الجديد، على عكس القديم، كان عليه أن يتعامل مع الماركسيّة ضمن سياقها الفكريّ التطوّرات المتزامنة في الفلسفة المعاصرة والنظريّة النقديّة. ومع هذا، لا أظنّ أنّني فظٌّ (لو أخذنا طبيعة ملاحظاتي بالحُسبان) أو غير مُحقّ (لو أخذنا ما كتبه أندرسن بالاعتبار) حين أقول إنّ اقتفاء خطى الماديّة التاريخيّة هو، في الواقع، جزءٌ ثانٍ بمعنى ما لكتابه تأمّلات في الماركسيّة الغربيّة. ومَنْ قرؤوا وثمّنوا العمل السابق سيرون الكتاب [الجديد] على هذا النحو. أما مَنْ لم يقرؤوه فلن يعانوا من أدنى عائق: بل سيقرؤون فعليًا توصيفًا آسرًا للنظريّة المعاصرة واحدًا من الأعمال القليلة في النظريّة المعاصرة (ربما هناك ثلاثة أو أربعة غيره) سنعود إليه ونوصي به لأصدقائنا وطلّابنا. ولن يكون الإنجاز الأسلوبيّ أدنى الأسباب لنوع التأثير الذي أتصوّره من أجل هذا الكتاب: مُكثَّفٌ على نحو غير اعتياديّ باختصار، إنّه يستحضر مجال النقاش النظريّ الحاليّ ذكيّ، سجاليّ، وواضحٌ وسهلٌ حتى لمَنْ هم خارج حقل ماركسيّة القرن العشرين، كما أظن.
يتكوّن كتاب اقتفاء خطى الماديّة التاريخيّة من ثلاثة فصول وملحق. الفصل الأول، "التكهّن والأداء،" يضمّ نظراتٍ استعاديّةً جوهريّةً على الماركسيّة الغربيّة كان قد سرد وقائعها في الكتاب السابق تكرار بديع لنقده الموجَّه إلى عزلتها الفكريّة، وابتعادها عن جميع الصّلات التي قد تربطها بالحركات الشعبيّة من أجل الاشتراكيّة الثوريّة، والأسباب التاريخيّة لهذا الانعزال القاتل في النظريّة والممارسة. وكما يشير أندرسن على نحوٍ لاذع، في "ذروة الحرب الباردة في الخمسينيّات ... قلّما وُجِد منظّرٌ ماركسيٌّ له وزنه ولا يعمل أستاذ كرسيٍّ في الجامعة بدلًا من موقعٍ في الصراع الطبقيّ." وبرغم إنجازاتها الألمعيّة في الإپستمولوجيا والإستطيقا، واستكشافاتها المهمة التي لا يمكن إنكارها في مجالات النشاط الثقافيّ الأعلى، لم تكتفِ الماركسيّة الغربيّة بقلب خط سير ماركس (من الفلسفة إلى السياسة إلى الاقتصاد) بل وعبر إحيائها بعنادٍ شديدٍ خطابًا فلسفيًّا صارمًا، لم تكترث فعليًا بالنقاش الاستراتيجيّ لطريق "الاشتراكيّة القابلة للتحقّق". إذًا، وبرغم تعاطفه الشديد مع الوضع التاريخيّ شديد الصعوبة الخاص بالماركسيّة الغربيّة، لم يُحجم أندرسن عن توضيح "علاقاتها الجانبيّة بالثقافة البورجوازيّة"، و"تشاؤمها الضمنيّ" وتنصّلها الكليّ من أهداف الماركسيّة الكلاسيكيّة. كما لم يتردّد في تبيان أنّ التكهّنات العديدة التي طرحها في تأمّلات حيال مستقبل مسار الماركسيّة، في أعقاب استنزافها أواخر الستينيّات، قد تحقّقت بمعنى ما، إلا أنّها لا تعطي للماركسيّين بذلك أيّ سبب يدعو للارتياح. إذ من الواضح أنّ إعادة توحُّد النظريّة والممارسة العامة وهو تكهّنه الأهم لم تتحقّق. ويواصل موت التفكير الاستراتيجيّ في الماركسيّة الغربيّة إضعاف الفكر الماركسيّ عمومًا: إنّه "بؤس استراتيجيّة"، يشير أندرسن، وليس "بؤس نظريّة".
في نهاية فصله الافتتاحيّ، يعطينا أندرسن عرضًا سريعًا للأعمال الأساسيّة التي أُنجزت في الماركسيّة منذ أواخر الستينيّات، مع تركيزٍ على البروز المفاجئ للثقافة الماركسيّة في إنگلترا والولايات المتحدة، حتى حينما كانت أوروپا اللاتينيّة،* وهي معقل الماركسيّة الغربيّة، تشهد انحدارها الكبير. وبالانتقال إلى الفصل الثاني نجد توصيفًا موجَزًا للانفعالات الملتهبة المناهضة للشيوعيّة، سياسيًا وثقافيًا، في أوروپا اللاتينيّة: انقلاب كولّيتّي، تحوّلات سوليرز وكرستيڤا من الماويّة إلى المستيكيّة إلى الاحتفاء بالنظام الاجتماعيّ في الولايات المتحدة، ظهور أندريه گلوكسمان، المُريد الساخر لألتوسير وقد حدث كلّ هذا بهذا القدر أو ذاك ضمن مناخ ترحيب في أوروپا الغربيّة لأنظمة الحُكم القائمة.
ولكن في الفصلين الثاني والثالث ("البنية والذات،" "الطبيعة والتاريخ")، يتحدّث أندرسن بأقصى قوّته كمنظّر ماركسيّ، إذ نجده هنا تحديدًا يستعرض بدايةً توصيفًا لهزيمة الماركسيّة اللاتينيّة على يد مُناوئتها، البنيويّة ومابعد البنيويّة، التي دفعت الماركسيّة إلى مواجهة مباشرة: في جوهر المجال الذي لطالما ادّعت الماركسيّة أنّها الأقدر على التفسير من كلّ الآخرين العلاقات بين البنية والذات، المنظومة والفاعليّة، في التاريخ والمجتمع البشريَّيْن. وبعد استعراض الاشتباك ومن ثمّ النصر الذي، بحسب كلمات أندرسن، جعل "پاريس مركز الرجعيّة الفكريّة الأوروپيّة،" يتابع في القسم الأكثر أصالةً في الكتاب ليتدخّل عبر شنّ أقصى هجومٍ منطقيٍّ لاذعٍ - سبق لي رؤيته - على الأفكار البنيويّة ومابعد البنيويّة. أما قوّة أندرسن في الإقناع في هذه الصفحات فتكمن جزئيًا في استعداده لمجابهة البنيويّة عند أصولها على الأخص سوسور والنموذج اللسانيّ المُستمَد منه. وإنّ التوظيف الشامل للنموذج اللسانيّ، كما يحاجج، هو سبب "قياسات التّمثيل التعسّفيّة" العديدة في البنيويّة: "فرط اللغة،" "وهن الحقيقة،" "عشوائيّة التاريخ،"، و المفارقة الأفضل "قلب البنى [عكسيًا]." وبهدف التقييم الملائم لهذه التعسّفات، لا يلجأ أندرسن إلى ماركس بل إلى سوسور ليشهد أن لا النَّسَب ولا الاقتصاد مكافئان لمؤسسة اللغة. وبهذا، بعد تكريس الحرج الجينيالوجيّ للبنيويّة، يقدّم من ثمّ تحليلًا للبنيويّة ومابعد البنيويّة، معتمدًا على نفسه، يبيّن بدقّة السبب الذي يكون فيه هؤلاء المدّعون الفلسفيّون لموقع الماركسيّة في فرنسا وإيطاليا ضئيلي الاهتمام بالتغيير الاجتماعيّ، بل وحتى عديمي الاهتمام، كما في حالة ديريدا، باستكشاف الواقع الاجتماعيّ أو الدفاع عن وجهة نظرٍ سياسيّةٍ محدَّدة. (بشأن هذه النقطة الأخيرة، سيُدرك قرّاء مدرسة ييل في النقد الأدبيّ نقدًا مُضمَرًا لتلك الممارسة.) أما الاستثناء الأكبر في أوروپا الغربيّة فهو هابرماس، إذ إنّ فلسفته في اللغة والتاريخ، بمصادرها العائدة إلى ماركسيّة مدرسة فرانكفورت، لا تُقصي السياسة بذاتها بالرغم من صلاتها الكثيرة بالبنيويّة. وكما يقول أندرسن: "بخلاف أيٍّ من نظرائه في فرنسا، حاول هابرماس إجراء تحليلٍ بنيويٍّ مباشر للنزعات الوشيكة للرأسماليّة المعاصرة، ولإمكانيّة اندلاع أزمات تغيير منظومات انطلاقًا منها." ويختتم أندرسن فصله الثالث باستعراض سريع للمصير السياسيّ للحركات الشيوعيّة العالميّة من الحرب الباردة مرورًا بخروشوف، وماو، والأورو-شيوعيّة السياقات السياسيّة العمليّة لإخفاق الماركسيّة اللاتينيّة وصعود البنيويّة المُرافق.
في "الملحق" يتناول أندرسن مجموعة علاقات بين الماركسيّة والاشتراكيّة، وأثناء انشغاله في هذا لا بدّ من مواجهة "الادّعاءات المعرفيّة" للأولى مع الطاقات الطوباويّة والأخلاقيّة المتجدّدة للأخيرة. وكمعارضٍ لاعتبار الصراع الطبقيّ الفاعل التاريخيّ الرئيس للتغيير الاجتماعيّ، يدخل أندرسن في سجال تعاطفيّ مع الناطقين بلسان النسويّة والحركة المناهضة للأسلحة النوويّة. ويشير بحرص (بلا أدنى تحفّظات دفاعيّة) إلى نواقص العُرف الماركسيّ في موضوع المرأة وإلى المطالبة السامية الخاصة بمناصري مناهضة الأسلحة النوويّة بأنّنا جميعًا على شفا الإبادة. وكذلك، يُطلق دعوةً بليغةً من أجل اندماج هذه الحركات الراديكاليّة. ولكن في النهاية، يحاجج أندرسن دفاعًا عن أولويّة الماديّة التاريخيّة: فالفائدة ستكون عابرةً للجندر واللون، كما أنّ للرأسماليّين، لا أقل من الاشتراكيّين، مصلحةٌ واضحةٌ في البقاء على قيد الحياة. وبالطبع، فإنّ الإشارة الضمنيّة إلى أنّ الحركتين النسويّة والمناهضة للأسلحة النوويّة ليستا راديكاليّتين كفايةً لن تبقى مُعلَّقةً بلا إجابة. فمن جانب آخر، هذا هو نوع التحدّي الجَسور والحيويّ الذي يكتبه على الدوام. وينبغي أن يصبح كتاب على خطى الماديّة التاريخيّة محور سجالٍ علاوةً على كونه محور تثقيف.  
                                                                 





*  أوروپا اللاتينيّة: الدول الأوروپيّة التي تتكلم بلغات رومانسيّة مشتقّة من اللغة اللاتينيّة، أي اللغات الفرنسيّة، الإيطاليّة، الإسپانيّة، البرتغاليّة، الرومانيّة. [المترجم]
الحواشي المُرقَّمة هي للمؤلّف، بينما المُشار إليها بنجمة فهي للمترجم.

Share: